قبس من أسرار الحروف لدى محی الدین بن عربی
و هذا العلیم الشهیر بعلوم التصوف و الأسرار محیی الدین بن عربی أسهب فی الحدیث عن أسرار الحروف فی کتابه الفتوحات المکیة و ذلک فی المجلد الأول فی الصفحات من (ص ۵۱- ص ۹۱) ، و قد قسّم بحثه إلى فصلین : الأول فی معرفة الحروف و مراتبها و الحرکات و هی الحروف الصغار و ما لها من الأسماء الإلهیة، و قد لخصها شعرا بما یلی:
إن الحروف أئمة الألفاظ // شهدت بذلک ألسن الحفاظ
دارت بها الأفلاک فی ملکوته // بین النیام الخرس و الایقاظ
ألحظنهاالأسماء فی مکنونه // فبدت تعز لذلک الألحاظ
و تقول لو لا فیض وجودی ما بدت // عند الکلام حقائق الألفاظ
و قال : اعلم- أیدنا اللّه و إیاک- أنه لما کان الوجود مطلقا من غیر تقیید یتضمن المکلف و هو الحق تعالى و المکلفین و هم العالم و الحروف جامعة لما ذکرنا ، أردنا أن نبیّن مقام المکلف من هذه الحروف من المکلفین من وجه دقیق محقق لا یتبدل عند أهل الکشف إذا وقفوا علیه ... إلخ.
ثم فصل القول فی هذا الفصل و قد أعرضنا عنه لطوله و خروجه عن منهجیة کتابنا ، ثم ذکر مراتب الحروف ، و قال : اعلم وفقنا اللّه و إیاک أن الحروف أمة من الأمم مخاطبون و مکلفون ، و فیهم رسل من جنسهم و لهم أسماء من حیث هم و لا یعرف هذا إلا أهل الکشف من طریقنا ، و عالم الحروف أفصح العالم لسانا و أوضحه بیانا و هم على أقسام کأقسام العالم المعروف فی العرف... ثم فصل القول فی ماهیة کل حرف اعتبارا من الألف و لغایة الیاء.
و فی الفصل الثانی فصل القول فی معرفة الحرکات التی تتمیز بها الکلمات و هی الحروف الصغار، و لخصها شعرا فقال :
حرکات الحروف ست و منها أظهر اللّه مثلها الکلمات
هی رفع و ثم نصب و خفض حرکات للأحرف المعربات
و هی فتح و ثم ضم و کسر حرکات للأحرف الثابتات
و أصول الکلام حذف فموت أو سکون یکون عن حرکات
هذه حالة العوالم فانظر لحیاة غریبة فی موات
و قال : اعلم أیدنا اللّه و إیاک بروح منه إنا کنا شرطنا أن نتکلم فی الحرکات فی فصل الحروف لم أطلق علیها الحروف الصغار؟ ثم أنه رأینا أنه لا فائدة فی امتزاج عالم الحرکات بعالم الحروف إلا بعد نظام الحروف و ضم بعضها إلى بعض ، فتکون کلمة عند ذلک فی الکلم و انتظامها ینظر إلى قوله تعالى فی خلقنا: فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی و هو ورود الحرکات على هذه الحروف بعد تسویتها فتقوم نشأة أخرى تسمى کلمة کما یسمى الشخص الواحد منا إنسانا فهکذا انتشأ عالم الکلمات و ألفاظ من عالم الحروف ، فالحروف للکلمات موادکالماء و التراب و النار و الهواء لإقامة نشأة أجسامنا، ثم نفخ الروح فیه الأمریّ فکان إنسانا... إلخ.
و هکذا راح یفصل القول فی هذا الفصل إلى أن جاء إلى آخره و قد أعرضنا عنه لطوله و عدم مطابقته منهج کتابنا هذا.
إن المنهج الذی سلکه محی الدین بن عربی فی أسرار الحروف یختلف عن المنهج الذی اتبعه الأنطاکی فبعض الأسرار عند ابن عربی هی غیرها عند الأنطاکی ، و لکن کل منهما یتفق مع الآخر على الروحانیة فی الحروف و أنها ذوات و خلق من خلق اللّه تعالى، و أن الإحاطة بأسرارها جمیعا مستحیلة ، و ما لدى العلماء منها إلا القلیل ، فسبحان الذی صور کل شی ء و أتقن صنعه.
هذا و لا نرید أن نلاحق علماء الحروف و ندون ما قالوه و ما ظهر و بان لهم من أسرارها ، لأن ذلک ضرب من المستحیل ، و خارج عن نطاق البحث و القدرة ، و ما وقفنا عنده کان للدلالة على احتضان الحروف لعلوم الأسرار التی یستحیل على البشریة معرفتها إلا بالقدر الذی شاء اللّه تعالى أن یهبه إلى أنبیائه و أوصیاء أنبیائه و رسله ، و الأئمة و العلماء المقربین منه ، و الحمد للّه رب العالمین.
و من هنا قد نجد عند علماء أسرار الحروف من العلم ما لا نجده عند غیرهم لأنها من العلوم الإلهیة الموهوبة ربانیا بالدرجة الأولى أو المعطاة بإجازة من علمائها إلى من یخلفهم فی حمل تلکم الأسرار بالدرجة الثانیة ، و اللّه أعلم.
★ انشاالله بشرط حیات اولا و توفیق ثانیا برای استفاده آحاد مخاطبان ، ترجمه مطلب مهم و جذاب فوق تقدیم عزیزان مخاطب این پایگاه خواهد شد. ★
